الوزيرة فاطمة الزهراء عمور في حوار مع "الصحيفة": السياح الأجانب المتوافدين على المغرب متم شتنبر 2024 يتجاوزون الجالية.. ولدينا خطط لاستقطاب السياح داخليا وخارجيا
تشير الأرقام التي كشفت عنها وزارة السياحة المغربية مؤخرا، بشأن الأداء السياحي خلال الأشهر التسعة الأولى من سنة 2024 الجارية، والتي بلغت 13.1 مليون سائح وافد على المملكة، عن أداء استثنائي في هذا القطاع، وتُعطي إشارات متفائلة عن تسجيل المملكة لرقم قياسي جديد مع متم السنة.
غير أن الكثير من الخبراء والفاعلين في القطاع السياحي، يرون أن هذا الارتفاع يعود فيه الفضل الكبير لتوافد الجالية المغربية المقيمة بالخارج، ويرى آخرون أن النمو المتواصل لتوافد السياح على المغرب، لا يقابله نمو بنفس الوتيرة، فيما يخص عدد ليالي المبيت السياحي وعائدات العملة الصعبة.
في هذا الحوار الذي أجرته "الصحيفة" مع وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، فاطمة الزهراء عمور، توضح الأخيرة الكثير من تفاصيل هذا النقاش، كما تكشف التطورات التي عرفها القطاع السياحي في المملكة عبر السنوات الأخيرة، والمشاريع والمخططات التي تهدف إلى زيادة استقطاب السياحي، سواء على المستوى الداخلي أو على المستوى الخارجي.
-السيدة الوزيرة، الأرقام المسجلة بالنسبة لعدد السياح الذين زاروا المغرب خلال الأشهر التسعة الأولى من هذه السنة (13.1 مليون سائح) تعطي مؤشرات إيجابية عن سنة استثنائية من حيث عدد السياح. ومع ذلك، يعتقد بعض الخبراء في هذا المجال أن هذه الزيادة تعود بالأساس إلى التدفق الهائل للجالية المغربية وليس إلى السياح الأجانب. ما رأيك في هذا؟
لقد حققنا بالفعل أداءً استثنائياً هذه السنة، ونحن في طريقنا لتحقيق رقم قياسي جديد خلال سنة 2024. قبل أن ننظر إلى الأرقام، أود أن أتطرق إلى موضوع الجالية المغربية، والذي يُطرح كثيراً. أولاً، لدينا في المغرب ارتباط خاص بجاليتنا المغربية في الخارج، والتي يوليها عاهل البلاد رعاية خاصة. كما تساهم الجالية المغربية بشكل كبير في القطاع السياحي. ومن المهم الإشارة إلى أن احتساب المغاربة المقيمين في الخارج كسائحين ليس حكراً على المغرب. في الواقع، تعتبر المنظمة العالمية للسياحة جميع الجاليات في العالم سياحاً وتدرجهم في إحصاءاتها. على مدار العشرين سنة الماضية، كان المغاربة المقيمون في الخارج يمثلون دائمًا ما بين 46% و51% من الوافدين.
الأرقام الخاصة بـ 2024 واضحة. فقد تم تسجيل حوالي 13.1 مليون سائح في نهاية شتنبر، بزيادة قدرها 18% مقارنة بـ 2023، أي حوالي مليوني سائح إضافي. وتتعلق هذه الزيادة بكل من السياح الأجانب (+20%، +1.1 مليون) والمغاربة المقيمين في الخارج (+15%، +886 ألف)، بزيادة أكبر في صفوف السياح الأجانب، على الرغم من أن كلا الفئتين شهدتا نموًا كبيرًا. كما تجدر الإشارة إلى أنه باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية، التي تشهد استقراراً مقارنة بسنة 2023، فإننا نشهد نمواً من رقمين في جميع الأسواق الأجنبية.
-في نفس السياق، يقر الخبراء والفاعلون في القطاع بأن الزيادة في عدد توافد السياح على المغرب هي حقيقة إيجابية لا يمكن إنكارها. ومع ذلك، يشيرون إلى أن هذه الزيادة لم يصاحبها ارتفاع كبير في عدد ليالي المبيت والإيرادات من العملات الصعبة. إذا كانت هذه المعطيات صحيحة، فما هي الأسباب في نظرك؟
من حيث ليالي المبيت والعائدات من العملة الصعبة، أودُّ أن أقول بأننا في اتجاه إيجابي للغاية. بلغ إجمالي ليالي المبيت في نهاية غشت الماضي 18.7 مليون ليلة، بزيادة قدرها 7% مقارنة بنهاية غشت 2023. ويعود هذا النمو بشكل أساسي إلى ارتفاع الطلب الدولي. حيث سجلنا زيادة بنسبة 13% في ليالي المبيت الدولية، ما يعادل حوالي 1.5 مليون ليلة إضافية.
وبالنسبة لعائدات السياحة من العملة الصعبة، رغم البداية الصعبة للسنة، إلا أننا تمكنا من تحقيق رقم قياسي بلغ 76.4 مليار درهم حتى نهاية غشت، بزيادة قدرها 7% مقارنة بالسنة الماضية. هذه النتائج المتميزة تؤكد جاذبية المنتج السياحي المغربي وتثبت أن استراتيجيتنا تؤتي ثمارها. هدفنا هو الاستمرار في خلق تجارب جديدة تجمع بين الأصالة والابتكار، من شأنها تشجيع السياح على الاستكشاف.
-ما هو تقييمك للوضع الحالي للبنية التحتية السياحية في المغرب، وما هي المشاريع الكبرى والخطط الهادفة لتعزيز جاذبية الوجهات السياحية المغربية؟
البنية التحتية السياحية هي جوهر التجربة السياحية، ولهذا، فإن الاستثمار في مجالي الإيواء والترفيه يُعد أولوية في خارطة الطريق التي وضعناها. فيما يتعلق بالإيواء السياحي، نسعى إلى زيادة القدرة الاستيعابية، بهدف توفير 150،000 سرير جديد بحلول سنة 2030. لتحقيق هذا الهدف، نعمل على جذب المزيد من المستثمرين، وتطوير الطاقة الاستيعابية في مختلف الجهات بما يتماشى مع هوية كل وجهة سياحية، إضافة إلى دعم تحديث الفنادق من خلال البرنامج الحكومي "CAP Hospitality".
كما نركز على تعزيز أنشطة الترفيه لتقديم تجارب فريدة للسياح وتشجيعهم على تمديد مدة إقامتهم. في هذا السياق، يندرج برنامج "Go سياحة" الذي يهدف إلى دعم 1،700 مقاولة سياحية. وأخيراً، نعمل على تعزيز الاستثمار في رأس المال البشري، إذ أن البنية التحتية بحاجة إلى موارد بشرية مؤهلة.
وفيما يتعلق بالمشاريع الكبرى لتعزيز جاذبية الوجهات السياحية، يتم تنفيذ خارطة الطريق على المستوى الجهوي من خلال عقود التنفيذ الموقعة مع الجهات. ويتضمن كل عقد مجموعة من المشاريع المحددة التي سيتم تطويرها بناءً على أولويات ومتطلبات كل جهة، وقد تشمل هذه المشاريع تطوير الإيواء، تحسين أنشطة الترفيه، إطلاق مشاريع قاطرة، تعزيز الربط الجوي، أو الترويج السياحي.
-تعد السياحة الداخلية في غاية الأهمية، خاصة في مواجهة التقلبات التي تشهدها الأسواق العالمية. ما هي استراتيجية الوزارة للنهوض بالسياحة الداخلية في المغرب، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجه العديد من الأسر المغربية حاليا؟
إنَّ السياحةَ الداخليةَ تكتسي في الحقيقةِ أهميةً بالغةً بالنسبةِ إلينا. وقد شهدتْ نمواً تجاوزَ الضِّعفَ في الفترةِ الممتدةِ بين 2010 و2023. وعند احتساب الإيواء لدى العائلة/الأصدقاء والإيجارات عند الساكنة، نصل إلى 30 مليون ليلة مبيت، مما يبرز الإمكانات الهائلة لسوق السياحة الداخلية في المغرب. كما تُظهر هذه الأرقام أن الطلب يفوق العرض الحالي، خاصة خلال الفترات المهمة مثل العطلات الصيفية. والأهم من ذلك، تؤكد أن السائح المغربي هو الزبون الأول للمغرب كوجهة سياحية.
في هذا الإطار، نعمل حالياً على عدة مشاريع ذات أولوية لتعزيز هذا القطاع. أولاً، نسعى إلى تطوير منتجات سياحية جديدة، تركز على الطبيعة والرحلات القصيرة إلى المدن والرحلات الثقافية، والتي يمكن الاستمتاع بها طول السنة. ثانيًا، نحرص على تنويع عروض الإيواء لتلبية احتياجات نمط السفر العائلي والقدرة الشرائية للمغاربة. ولتحقيق ذلك، سَرّعنا اعتماد النصوص التطبيقية للقانون رقم 80-14 لدمج أشكال جديدة من الإيواء، مثل الإيواء البديل والإيواء عند الساكنة. وأخيراً، نواصل الترويج للسياحة الداخلية عبر حملة "نتلاقاو فبلادنا" التي أطلقها المكتب الوطني المغربي للسياحة، والتي ركزت موجتها الأخيرة، التي انطلقت في أكتوبر، على التنقل الداخلي بين مختلف جهات المغرب، مما يُسهل على المغاربة اكتشاف جميع المناطق بسلاسة.
-سؤال أخير السيدة الوزيرة، مع تطور السياحة الرقمية والاعتماد المتزايد على التكنولوجيا، هل هناك استراتيجية أو اهتمام من طرف وزارة السياحة للترويج للمغرب على المنصات الدولية من جهة، ومن جهة أخرى لتحسين تجربة السائح بخصوص الوجهة المغربية؟
اليوم، تشكل السياحة والتكنولوجيا ثنائيًا ديناميكيًا يعيد تعريف تجربة المسافر، بدءًا من التخطيط وحتى الاستكشاف. في المجال الرقمي، تتواجد علامة "Visit Morocco" بشكل مكثف على جميع منصات التواصل الاجتماعي، لترسيخ مكانة المغرب كوجهة سياحية عالمية. كما يعمل المكتب الوطني المغربي للسياحة على إنتاج الكثير من المحتوى الترويجي الذي يركز على التجارب والوجهات، مثل "Visit Morocco Originals"، الذي يُنشر بانتظام على وسائل التواصل الاجتماعي. بالإضافة إلى ذلك، نطلق حملات رقمية مستهدفة في العديد من الأسواق الدولية.
فيما يتعلق بالمنصات الدولية، يتمتع المغرب بمكانة قوية، ولدينا العديد من الشراكات التجارية مع وكالات السفر عبر الإنترنت مثل Tripadvisor وExpedia وEdreams.
أخيرًا، لتحسين التجربة السياحية باستخدام التكنولوجيا الرقمية، أطلقنا برنامجًا وطنيًا بالتعاون مع الشركة المغربية للهندسة السياحية (SMIT)، لدعم الشركات الناشئة في مجالات تكنولوجيا السفر والألعاب. هدفنا هو توظيف التكنولوجيا لإثراء تجربة الزوار وتعزيز جاذبية المغرب كوجهة سياحية متكاملة ومتطورة.